«61» الثقافة السياسية
حين تسأل عامة العرب عن نموذج الحكم الافضل في نظرهم، فسوف يذكر معظمهم اشخاصا مثل الخلفاء الراشدين، وسيذكر بعضهم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز. بعضهم سيذكر أيضا الزعماء الذين عرفوا بالحزم والانتصار في الحروب. وهذا يشبه الى حد كبير الصور التي يسمعونها في المسجد. ما نتعلمه في المدارس وما نسمعه في الاعلام، لا يختلف كثيرا عن هذا النموذج. فهو يركز على أدوار الاشخاص ويتغنى بالبطولات والانجازات الفردية.
بكلمة موجزة فان صورة الدولة كمؤسسة وكنظام قانوني غائبة الى حد كبير في الثقافة العربية العامة.
السؤال الآن: هل ستتغير هذه الرؤية العتيقة بتأثير الربيع العربي؟.
أعتقد انها سوف تتغير بشكل جزئي، وربما يحصل تحول أكبر مع مرور الزمن. وأذكر هنا الملاحظة الدقيقة للعلامة محمد مجتهد شبستري، وهي تتعلق بالوضع في ايران، لكنها تساعد على توقع ما يمكن أن يحصل في المجتمعات العربية. يقول شبستري:
قدم دستور الجمهورية الاسلامية للفكر الديني عددا من المفاهيم الجديدة، من بينها: حقوق الشعب، سيادة الامة [...] الحريات العامة، الفصل بين السلطات، الخ. كما ان مفهوم الشعب هو الاخر حديث الظهور في الثقافة الاسلامية ولا توجد له سوابق في التراث [...]. ان تاييد الفقهاء لهذه المفاهيم يمثل مبادرة غير مسبوقة في التراث الديني.[1]
هذا يتلاءم مع ما أشرت اليه في جواب سابق، من ان الدولة تشكل محركا رئيسيا للتغيير. وهو يشير أيضا الى استنتاج مثبت في علم الاجتماع، فحواه ان الحوادث والازمات الكبرى، وبينها الثورات الشعبية، عامل حاسم في تغيير الثقافة العامة، تغييرا يؤدي بالتوازي، أو في وقت لاحق، الى تغير ثقافة النخبة.
المثال الذي يحضرني الآن هو تغير اللغة السياسية للنخبة الدينية. حتى وقت قريب كان يستحيل العثور على عبارة مثل ”الثورة“ أو ”الثورة الشعبية“ في ادبيات التيار الديني التقليدي. لكنك ترى ان هذا التعبير بات متداولا الآن، سيما بعد ثورة يناير 2011 في مصر. الأفكار المماثلة لهذه، كالمشاركة الشعبية، الحريات العامة، سيادة القانون، فكرة ان يكون الناس حكاما لانفسهم، ان يأتي الحكم ممثلا للشعب وليس ممثلا للنخبة.. الخ، كانت مستنكرة في وسط التيار الديني سابقا، او كانت على اقل التقادير مغفلة او مهملة. لكنها أمست اليوم اعتيادية، وربما موضع تقدير في الكلام السياسي في العالم العربي كله، عند التيار الديني وغيره.